أخبار لبنان

المطران ابراهيم ترأس قداساً وجنازاً لراحة انفس الأعضاء الراحلين في مجلس قضاء زحلة الثقافي

ترأس راعي ابرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم في كاتدرائية سيدة النجاة زحلة قداساً وجنازاً لراحة انفس الأعضاء الراحلين في مجلس قضاء زحلة الثقافي من شعراء وادباء بدعوة من رئيس المجلس مارون مخول والأعضاء.

حضر القداس اضافة الى رئيس المجلس والأعضاء، عائلات الأعضاء المتوفين وحشد من المؤمنين.

بعد الإنجيل المقدس القى المطران ابراهيم عظة جاء فيها :

” اليوم نتذكر من زحلة وقضائها شعراءً وأدباء واختصاصيين أغنوا العالم بوجدانهم المثقف وقد دعا إلى هذا القداس “مجلسُ قضاء زحلة الثقافي”. فالشعر له أبعاده المسيحية والإيمانية إذ نُظم في الكنيسة شِعرٌ ملأ الدنيا إلى أقاصيها شدواً وترتيلا. فالشعر محاولةٌ لمشاركة تجربة مؤثرة باستخدام لغة يتِمُّ اختيارُها ونظمها بشكل مختلف عن عن الشعر النثري.”

واضاف” مار افرام كان يتنفس شِعرا وقوافٍ. يُقال إنه نظم أكثر من 3 ملايين بيت شعر. كان يختبرُ أشياء رائعة ويشعر أنه يجب عليه مشاركتها. الله ذاتُه تكلم بالقصائد: ثلثُ الكتاب المقدس على الأقل هو أجمل الشعر: كتب كاملة من الكتاب المقدس شاعرية: أيوب، مزامير، أمثال، نشيد سليمان. غالبية نبوءات العهد القديم شعرية في الشكل. يسوع هو واحد من أشهر شعراء العالم وكذلك مريم مع قلة كلامها، ما تكلمت إلا شعرا: ” تُعظمُ نفسي الربَّ وتبتهِجُ روحي باللهِ مُخلّصي، لأنهُ نَظَرَ إلى تواضعِ أمتهِ فها منذُ الآنَ تُطوبُني جَميعُ الأجيال، لأنّ القديرَ صَنَعَ بي العظائمَ واسمُه قدوسٌ، ورحمتهُ إلى أجيالٍ وأجيالٍ للذين يَتّقونهُ، صَنَع عزًّا بساعِدِهِ وشتّتَ المتكبّرينَ بأفكارِ قلوبِهم، حَطّ المقتدرينَ عن ِ الكراسي، ورفَعَ المتواضعين، أشبعَ الجياعَ خيرًا والأغنياءَ أرسَلهم فارغين، عَضَدَ إسرائيل فتاهُ فذكرَ رحمتَه، كما كلّمَ أباءَنا لإبراهيمَ ونسلِهِ إلى الأبد.” ”

وتابع سيادته ” وراء هذه الأجزاء الشعرية في الغالب من الكتاب المقدس، تظهر اللغة التصويرية في جميع أنحاء الكتاب، وكلما حدث ذلك، فإنها تتطلب نفس النوع من التحليل المعطى للشعر. كلمة الله مستوحاة من الشعر.

يمكن أن يقيم الله الموتى بأي وسيلة يشاء. يمكنه إيقاظ القلوب الباهتة على حقيقة جماله بأي طريقة يرغب فيها. وإحدى الطرق التي يشاء من خلالها القيام بذلك هي إلهام المتحدثين باسمه لكتابة الشعر.

ومن المفارقات أن الشعر هو تعبير عن حقيقة أن هناك أشياء عظيمة لا يمكن التعبير عنها. لا توجد مراسلات فردية بين أعماق التجربة الإنسانية وقدرات اللغة على التقاط تلك التجربة. هناك تجارِبٌ تتجاوز قدرة اللغة على التعبير عنها. بالنسبة للشاعر، هذا القيد في اللغة لا يُنتج الصمت؛ إنه يُنتج الشعر. الشعر هو نوع من المقاومة اللفظية لعدم قابلية التجربة الإنسانية للاختراق.”

وختم المطران ابراهيم ” في إنجيل اليوم أصغى يسوعُ طويلاً إلى طلب قائد المئة. قال شعراً نابعاً من إيمان لا نعهده عند الرومان الوثنيين. وقد أبدى يسوع إعجابه به قائلاً: “اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ أَجِدْ وَلاَ فِي إِسْرَائِيلَ إِيمَانًا بِمِقْدَارِ هذَا!” الذين ننعتهم بقلة الإيمان قد يسبقوننا إلى الملكوت. “أَمَّا بَنُو الْمَلَكُوتِ فَيُطْرَحُونَ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ.” هذا ما قاله السيد بوضوح صاحب المعرفة.

أنا كلي إيمان بأن الذين نتحلّق حول ذكراهُم اليوم من شعراء وأدباء ومثقفي زحلة والقضاء، سبقونا إلى الملكوت وقد استثمروا الوزنات والمواهب وقاوموا حواجز التعبير وعبروها بالإيمان والوجدان إلى تقريظ الجمال وتجسيد الخيال وتكريس سيادة الإنسان على كافة الخلائق وأولُها الكلمات. فليكن ذكرهم مؤبدا.”

وفي نهاية القداس اقيمت صلاة النياحة لراحة انفس كل من : سعيد عقل، انيس مسلم، جوزف الصايغ، رياض المعلوف، انطوان بو رحل، نبيه غانم، متري نبهان، عصام خراط، توفيق سمعان، ناديا الشدياق، هدى السرغاني، جورج الاشقر، جبرائيل سكاف، جوزف جحا، شوقي الفاخوري، الياس العسيس، جوزف بو طعان، جورج سكاف، خليل فرحات وانطوان مسلم.

والقى رئيس مجلس قضاء زحلة الثقافي مارون مخول كلمة جاء فيها:

” لم يرحلوا أبداً، هؤلاء المبدعون الذين نثروا مشاعرَهم وروداً على تلالِ المواهب..والذين أمّوا صلاةَ الشعرِ والنثرِ والأدبِ على شطآنِ المراكب..

أولئك الشعراء والادباء والمهندسون  والمحامون واساتذةُ الجامعات ومدرائها والوزراء والصحافيون اللذين لم تبرحْ أرواحُهم الأماكن، بل بقيتْ سيّدةَ الحضورِ والغياب، وملكةَ الانسيابِ العاطفي.

إنّ التاريخَ شاهدٌ لا تَغْفَلُهُ النواميسُ والقواميسُ التي كَتَبتْ بحروفِ الهيبةِ  أسمائِهم، التي بقيتْ لتحتفيَ بها المنابر، وترثيها عنابرُ الذكريات.

إنَّ مواهبَ زحلة لا تستحقُّ الرثاءَ حتّى في المآتم، بل تحصدُ الثناءَ الدائم، لأنّها كانت، وبقيت شعلةَ الانبهار، التي تضيئُ معالمَ الزمانِ والمكان.

لقد تركَ هؤلاء الكبارُ مجلسَ قضاء زحلة الثقافي وديعةً نادرةً نصونُها في قلوبِنا، ونحييها بمجهودِنا وتراثِ مدينتِنا زحلة التي عَتَقَتْ قصائدَها للرّيحِ حتّى تبثّها أوّل الغيثِ في مواسمِ الكروم.

تحيّة تقديرٍ وإجلالٍ لشعرائِنا ومبدعينا الراحلينَ وللأحياءِ منهم،  فإنَّ فجرَهم يطلُّ علينا كلّ صبيحةٍ بصوتِ فيروز وصباح والرحابنة، وقصائدِ العمالقةِ العظماء.

لقد غفتْ زحلةُ على أكتافِ الوادي وهي صلبةٌ مرفوعةُ الرأسِ تعتزُّ بعباقرتِها الذين زرعوا في مروجِها براعمَ الياسمين، ويعبق عطرهم بخورٌ للخالدين.

رحمَهم اللهُ، ولنصلّي لأرواحِهم  في ملكوتِ الربّ. عشتم، عاشَ أدبُهم ذخراً للثقافةِ في وطنِنا لبنان.