منوعات

مصادر البنية الذهنية للمبدع بين الإبداع والتكرار

بقلم – سحر الزارعي

الإلهام، من التحديات الكبرى لأي مبدع في المجالات الفنية حيث يعتمد عليه بشكلٍ كبير في نتاجه، لكن ماهي مصادر ذلك الإلهام ؟
في ذلك نجد المبدعين متفرقين في طقوس استحضار ذلك الالهام ومغازلته وطلب رضاه، فمنهم من يقرأ بنهمٍ شديد في مختلف المجالات حيث يتابع كتّاباً مفضّلين ويستلهم من أفكارهم وتجاربهم وفلسفاتهم إلهامه الخاص، وبعضهم يعتزل زحام البشر وضوضاء المدينة وإيقاع الحياة الضاغط ويلجأ للريف أو الصحراء أو قمم الجبال أو الشواطئ الهادئة كي يختلي بالطبيعة ويرسل لإلهامه رسائل من نوع خاص تدعوه للحضور.

بعض المبدعين يتفنّنون في اصطياد الوحي الفني من خلال طقوس خاصة دأبوا على سلوكها بسبب نتائجها الإيجابية ومن ذلك ارتياد بعض الأجواء التي تحرّض المخيّلة على الإبداع فهناك من ينساب إبداعه على صوت خرير المياه وزقزقة العصافير والهواء العليل، وعلى العكس منهم هناك من يتفتّق ذهنه في الأماكن المزدحمة حيث يشعر بنبض الحياة وتفاعل البشر مع بعضهم البعض وتعبيرات الوجوه التي تختصر دواخلهم. ولايخلو الأمر من بعض التفاصيل الغريبة التي يحرص عليها أصحابها كاصطحاب حيوان أليف أو تناول بعض الأطعمة المرتبطة بالحالة المزاجية كالشوكولاتة أو ارتداء ملابس معينة.

كلٌ منا يعرف جيداً مايلهمه ويُدخل ذهنه في دائرة العصف الإبداعي المتسارع وصولاً لنتائج مبدئية محفّزة يعمل على صياغتها والتعديل عليها لتصبح ثمرة ترضيه ولو بالحد الأدنى من الرضا. لكل منا مفضّلاته التي يعرفها جيداً ومن يرى نفسه خارج هذا التصنيف فهو مبتدئ بالتأكيد.

لكن العنصر الذي أجده متفوّقاً على جميع محرّضات الإبداع حسب تجربتي الشخصية وتجارب عددٍ من المبدعين في الزمن الحاضر وفي أزمانٍ مضت أيضاً .. هو السفر. حيث تغيير المناخ العام والبيئة المحيطة وتنشيط الحواس التي تستنفر لتعلن مواقفها تجاه كل جديدٍ تستشعره.

للسفر سحرٌ خاص يلمس جميع المبدعين حتى الذين رفضوا هذه النتيجة من قبل التجربة، السفر لمناطق جديدة واستكشاف تراكيب جمالية مختلفة ينشط إفراز هرمون الإبداع ويساعد على نصب مصائد جديدة للإلهام. وإذا أضفنا الاطلاع على التجارب الفنية الإبداعية للبلد التي نزورها سنجد آفاقنا تتوسّع والبنية الذهنية لدينا تجدّد خلاياها.

أي فنانٍ يخشى على نفسه الرتابة والتكرار فالسفر من أنجع الحلول وأسرعها مفعولاً، يكفي أنّ مبدعاً خلّده التاريخ ومازالت كلماته تعيش معنا وفينا حتى اليوم ذكر في كتابه “قصتي مع الشعر” أن السفر كان يجدّد نظرته للحياة ويشعل قلمه إبداعاً حتى أنه قسّم مراحل حياته الفنية حسب البلدان التي زارها، كما اعترف بخط يده بخوفه من السقوط في فخ تكرار نفسه والانعزال داخل قوالب فنيةٍ متشابهة .. الحديث هنا عن الشاعر نزار قباني.
فلاش:
إذا شعرت بتشابه إبداعاتك .. فهذه دعوة من “إلهامك الخاص” للسفر