أخبار لبنان

المطران ابراهيم ترأس قداساً لراحة نفس الفنان وديع الصافي في الذكرى العاشرة لرحيله

ترأس راعي ابرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم قداساً احتفالياً في كنيسة مقام سيدة زحلة والبقاع لراحة نفس عملاق لبنان الفنان وديع الصافي في الذكرى العاشرة لرحيله، بدعوة من اذاعة الأولى اف ام وبمشاركة النائب الأسقفي العام الأرشمندريت نقولا حكيم، رئيس دير مار الياس المخلصية الأرشمندريت نقولا الصغبيني والآباء الياس ابراهيم وشربل راشد، خدمت القداس جوقة يوهنا الذهبي الفم (جوقة المقام) بقيادة اسعد بشارة، وجماعة الخدمة الصالحة.

حضر القداس شقيق الراحل الكبير العميد ايليا فرنسيس، اولاده انطوان وجورج واحفاده شرب وجاد الصافي، رئيس دير مار انطونيوس الكبير الأب جوزف شربل، رئيس دير يسوع الفادي الأب ايلي صادر، رئيس جمعية تجار زحلة زياد سعادة، رئيس مجلس قضاء زحلة الثقافي ورئيس مؤسسة مخول فاونديشين مارون مخول عقيلته، الصناعي المهندس وسيم رياشي،رجل الأعمال نقولا السروجي والإعلامي انطوان زرزور، اضافة الى عدد كبير من المؤمنين ومحبي وديع الصافي.

بعد الإنجيل المقدس كانت للمطران ابراهيم عظة بالمناسبة قال فيها :

” في الذكرى العاشرة لرحيل العملاق وديع الصافي، نتوقف لنتأمل ونسترجع ملامح تلك الشخصية التي تركت بصمات لا تُمحى في تاريخ الموسيقى اللبنانية والعربية. إنه ليس مجرد فنان، بل هو فصل من فصول تاريخ الفن والثقافة، وهو الرمز الذي جسّد في فنّه كل القيم الإنسانية والوطنية، راسماً بها لوحاتٍ فنيةً خالدةً وأبدية.

وديع الصافي، الذي عُرف بـ “قديس الطرب”، لصوته العذب والرنان، الصوت المعجزة، كان يتسلل إلى القلوب والأذهان قبل الآذان، ليسكنها ويغني للحب والوطن والإنسان. هو لم يكن يغني للسمْعِ فقط، بل للروح، وكل كلمة أطلقها من بين شفتيه كانت تحمل في طياتها حكاية ومشاعر وأحاسيس.

مع ألحانه الخالدة، استطاع أن ينقل اللحظة الموسيقية من مجرد تجربة سمعية إلى تجربة وجودية، وجدانية، عاطفية وروحانية فريدة. موسيقاه كانت تحتفي بالحياة في كل تفاصيلها، حتى في أوقات الحزن والألم. أغانيه تنقلنا إلى عالم آخر، عالمٍ يسوده الحب والجمال والإخلاص، عالمٍ يستوطن روحنا ويسكن داخلنا، عَبَرْنَا إليه وأيقظناه على صوت وموسيقى وديع الصافي.”

واضاف ” شخصية وديع الصافي تجسدت في أعماله وألحانه وكلماته، حيث أبدع في تقديم فن طربي أصيل يجسد الهوية والثقافة، مُعبِّراً عن صدق مشاعر الناس وتطلعاتهم. كان صوته يمثل صوت الجموع، يغني للحب والحرية والكرامة، وهو الذي ظل دائماً مُحافِظاً على أصالة الطرب وجمالياته. إنه لبنان في فنان، إنه العالم العربي في فنان، إنه الإلهام والإيمان والإنسان في حنجرة وإبداع مارد ما عرف التاريخ له مثيلا.

“قديس الفن” لم يكن لقباً زائفاً، بل كان اعترافاً بفنان استطاع أن يرتقي بالأغنية لتصبح وسيلة للتواصل الإنساني الصافي والمستقيم. قلبه النابض بالمحبة والحنان، وروحه النقية التي عبرت عنها عيناه اللامعتان، جعلت منه مدرسة إلهام لكل جيل وعصر.”

وتابع ”  يا وديع الأغنية واللحن والكلمة، في ذكرى رحيلك العاشرة تَبكي الأرض فُراق صوتها، وتُظلم السماء كأنما فقدت نجمًا من نجومها. لقد غادرتنا جسديًا، لكنك ما زلت حاضرًا في كل نغمة وكلمة ترددها أذهاننا وقلوبنا من أغانيك الخالدة. يبقى صداك يرتد في أروقة الوجدان، وتتواصل أصداؤك في سماء الذاكرة.

اختارت أنغامك أن تكون لحن الأمل في ليالي اليأس، والفرح في أوقات الحزن، والشموع المضيئة في دروب الظلام. كانت أغانيك تلك الرفيقة التي لا تفارقنا في السرور والحزن على حد سواء، تمدنا بالقوة وتحثنا على مواصلة الطريق مهما كانت العقبات والصعوبات.

كلماتك كانت بمثابة ملحمة تحكي عن تاريخ شعبٍ عظيم وأرضٍ تنبض بالحياة والكرامة. فيها احتفيتَ بالعشق والأمان والوطن والإنسان ولبنان. عبّرت عن آمال أجيالٍ، وآلامها، وأحلامها. عبرت عن البساطة والعظمة في الحياة، عن الفرحة والأسى، عن الأمل واليأس. عبَرت عني وعَنّا وعنهم حتى شكرنا جمُيعنا الخالق لأنه أوجدنا في زمن وديع الصافي.

وديع الصافي، حينما تُستعرضُ مسيرتك، نجد الرجل الذي بنى جسورًا من الحنين والتواصل بين الأجيال، الذي علمنا كيف نُعبِّر عن مشاعرنا بأصالة وصدق، وكيف نبقى أوفياء لتراثنا وجذورنا رغم تحديات الزمن.”

واردف المطران ابراهيم ”  لقد كنت ومازلت الصوت الذي يجمعنا، ينقلنا إلى أماكن لا نعرفها، ولكننا نشعر أننا جزء منها. تُروى من خلال أغانيك قِصصُ الحياة بكل تفاصيلها، حتى أصبحت الحانك هي اللغة التي نعبر بها عن أعماقنا، وكلماتك هي الرسائل التي نُوجهها إلى العالم. أنت لم تمت، فالأساطير لا تموت، بل تنتقل من جيل لجيل، وتظل فصولها الرائعة تُروى عبر التاريخ والأزمنة. تَظلُّ أغانيك ذاك الملاذ الذي نلجأ إليه كلما احتجنا للحديث مع أنفسنا، أو للإحساس بالانتماء والروح.

صوتك أيها الخالد، بات يتردد في كل زاوية من زوايا الوطن العربي والانتشار، يحمل في تفاصيله حكايات الأمس ويترجم أحلام الغد. يَعبُرُ الحدود والأزمنة، ليصل إلى كل إنسان يبحث عن لمسةٍ من الجمال والرقة في هذا العالم اليابس. في غيابك، نحتفل بك، بكلماتك، وألحانك، ونرفع أكف الدعاء شاكرين للرب أنك كنت بيننا، أن أعطانا القدرة على التمتع بفنك ورؤيتك، وأنك ألهمتنا وسنظل دائماً نحتفظ بذكراك في أعماقنا، كأجمل لحن عُزف على أوتار الحياة. لقد عمّرت فينا يا “معلم العمار” دارةً من ذكرياتٍ لا تندثر، من دموع أحزانٍ وأفراحٍ لا تنضب.”

وختم سيادته ” اليوم نستذكرك بكل حب واحترام، نستذكر الرجل الذي كانت له القدرة على لمس القلوب وزرع الدهشة، الذي ترك لنا مكتبة ثقافية وفنية رائعة، تُشكِّلُ إرثاً ثميناً للأجيال القادمة. نحن نحمل في قلوبنا الحنين لصوتك الذي سيظل يتردد في أذهاننا مدى الحياة. في ذكراك، نعد النجوم، ونحتسي من كأس الحنين، ونردد خصوصا في هذه الأيام العصيبة: ” الله معك يا بيت صامد بالجنوب..”، ونستمد من هذه الكلمات القوة والإلهام والصمود، ونترحّم على أرواح الشهداء.

أيها الأحباء، موت وديع الصافي لم يكن نهاية له، فأغانيه وصوته الدافئ ما زال يعيش بيننا، يحفر فينا الأمل والحب، ويذكرنا بأن الفن هو لغة الروح التي لا تموت. نَرثيه اليوم ليس بكلمات الحزن فقط، بل بكلمات الإجلال والإكبار لروح استطاعت أن تنسج من الألم أملا ومن اليأس حكاية حب لا تنتهي، وأن تجعل من الحياة لحناً جميلاً للخلود.

أشكرُ كلَّ الذين الذين أوقفونا أمام مرآة الذكرى، لنرى انعكاس صورة مارد الفن الأصيل التي لن تشوهها السنوات، والشكر للذين تعبوا في تحضير هذه المناسبة المقدسة في حضن العذراء مريم، سيدة زحلة والبقاع، لإحياء ذكرى ابن العذراء المحبوب منها، الذي ملء أروقة الزمن ترنيما بصدحات صوته، وصار لنا علما يضيء لنا مسار الحياة، وقاموساً يُعرِّفنا معاني الحب والوفاء وديع بشارة يوسف فرنسيس الصافي. لن ننساك! المسيح قام! حقا قام! ”

في ختام القداس اقيمت صلاة النياحة عن روح الكبير وديع الصافي، والقى الدكتور انطوان الصافي كلمة شكر فيها زحلة واهلها على محبتهم ووفائهم لوديع الصافي كما شكر المطران ابراهيم على كلمته الرائعة عن كبير من لبنان.

بعد القداس قدّمت جوقة وتر بقيادة فادي نحاس باقة من اجمل تراتيل وديع الصافي تلتها كلمة لرئيس مجلس قضاء زحلة الثقافي ورئيس مؤسسة مخول فاونديشين مارون مخول  وقصيدة للشاعر شربل ابو حنا عن الكبير وديع الصافي.

وفي ختام الإحتفال جرى توزيع هدايا تذكارية للمناسبة عبارة عن دروع تكريمية قدمّت لسيادة المطران ابراهيم وعائلة وديع الصافي وكل من ساهم في انجاح الإحتفال.