أخبار لبنان

نكبة أم “نقمة” ال 1948 هل التاريخ يعيد نفسه؟ د. ليون سيوفي

د. ليون سيوفي
باحث وكاتب سياسي

الفلسطينيون هم مَن باعوا أرضهم لليهود!
تلك الدعاية التي ملأت الأرجاء بين كثير من العرب قبل أن يتشدَّق بها اليهود، فكيف لنا أن نتعامل مع هذا الادعاء؟
من روّج آنذاك أنّ الفلسطيني باع أرضه وهل كان يخدم الاسرائيلي بعلمه؟
هل هذا هو ما أوجد وطنًا يهوديًا بالفعل في قلب فلسطين؟
أسئلة كثيرة تراودني وأجوبتها لا تفارقني …
هل باع هؤلاء القوم حقًا أرضهم ثم تباكوا عليها؟ وباعوا هنا تعني أننا نتحدث عن الأغلبية لا الاستثناءات، أم أنّ الأمر محض كذبة سريعة الرواج، تحمل من تبرئة الضمائر ما ساعدها على الانتشار؟ هل قامت إسرائيل المزعومة على أرض تملَّكتها حقًا، أم أنّ بريطانيا لم تكتفِ بـ “موسى مونتيفيوري” وحده ليُشكِّل وطن اليهود في فلسطين بعد زيارته لها عام 1827، قاصدًا استكشاف مواقعها ومعرفة أحوال بني ديانته، ليفاجئه واقعهم، بوجود نحو 500 يهودي في حالة مُريعة من الفقر والانحطاط، مُوزَّعين بين تل القاضي شمالاً وبئر السبع جنوبًا، الأمر الذي أثار حفيظته وحزنه، ودفعه للتوجُّه إلى الباب العالي للدولة العثمانية، طالبًا الإذن بتشييد عدد من الملاجئ لإيواء هؤلاء اليهود المطحونين.
من منا لا يعلم تملُّك هذا الرجل أول قطعة أرض”نتيجة تدخُّل بريطانيا لدى السلطات العثمانية، ليُصدر السلطان فرمانًا سنة 1849 يُجيز لليهود شراء الأراضي في الديار المقدسة” ويقوم “مونتيفيوري” بتشييد أول مستعمرة يهودية على أرض تقع خارج سور البلدة القديمة في القدس، التي لم تلبث أن اعتُرِف بها رسميًا من السلطات العثمانية مع صدور قانون استملاك الأجانب عام 1869، لتُوضَع بها نواة أول حي يهودي في فلسطين.
أغلب من باع الأراضي في فلسطين لليهود هم من عائلات شامية ولبنانية بعد أن استحوذوا على مساحات شاسعة من أراضي فلسطين، كعائلات “سرسق”، و”العمري الدمشقية”، و”القباني”، و”العكراوي”، وغيرهم، بواقع 57 ألف دونم للعائلات الشامية، ونصف مليون آخرين للبنانيين إلى جانب بعض الأفراد من تابعية عثمانية كـ “بهائي إيراني” من إيران و”الكونت شديد” من مصر.. وكان لهم النصيب الأكبر والدور الأبرز في تحويل هوية الأراضي فيما بعد من كونها عربية إلى يهودية مُتسلِّلة..
أما صغار الملاكين من الفلاحين، فقد لعبت المُراباة دورًا فاعلاً في خسارتهم أرضهم، بعدما رهنوها إلى أثرياء المدن الكبار، الذين راحوا يغرون الفلاحين بتسهيلات مادية في الإقراض، خاصة في أوقات الضرائب، بصورة متراكمة عامًا تلو الآخر حتى لم يجد هؤلاء المساكين بُدًّا من التفريط بأرضهم لقاء ما عليهم من الديون، غير أنهم بقوا فيها على سبيل العمالة.
على الرغم من أنّ السياسيين اختاروا 1948/5/15 لتأريخ بداية النكبة الفلسطينية، إلا أن المأساة الإنسانية بدأت قبل ذلك عندما هاجمت عصابات إرهابية قرًى وبلدات ومدناً فلسطينية بهدف إبادتها أو دب الذعر في سكان المناطق المجاورة بهدف تسهيل تهجير سكانها لاحقاً وهذا الذي حصل..
ألنكبة مصطلح فلسطيني تداوله هذا الشعب في المأساة الإنسانية المتعلقة بتشريد أغلبهم خارج ديارهم. وهو الاسم الذي أطلقه الفلسطينيون على تهجيرهم وهدم معظم معالم مجتمعهم السياسية والاقتصادية والحضارية عام 1948. وفي هذا التاريخ طرد الشعب الفلسطيني من بيته وأرضه وخسر وطنه، لصالح إقامة الدولة اليهودية أي إسرائيل. وتشمل أحداث النكبة، احتلال معظم أراضي فلسطين من قبل الحركة الصهيونية، وطرد ما يربو على 750 ألف فلسطيني وتحويلهم إلى لاجئين، كما شملت الأحداث عشرات المجازر والفظائع وأعمال النهب ضد الفلسطينيين، وهدم أكثر من 500 قرية ودمرت المدن الفلسطينية الرئيسية وحُوّلت إلى مدن يهودية. وطُردت معظم القبائل البدوية التي كانت تعيش في النقب ودمرت الهوية الفلسطينية ومحت الأسماء الجغرافية العربية وتمّ إبدالها بأسماء عبرية ودُمّرت طبيعة البلاد العربية الأصلية من خلال محاولة خلق مشهد طبيعي أوروبي.
بدأ التطهير العرقي في عام 1947 بعد اقتراح الأُمم المتحدة لقرار تقسيم فلسطين.
ولم يكن آنذاك جيش اسرائيلي بل عصابات صهيونية قامت بعملية” دالت” بالتطهير العرقي على نطاق واسع وفرضوا سياسة الأمر الواقع على الأرض لإبطال قرار التقسيم حتى إن أرادت الأُمم المتحدة تنفيذه.
هل ما نشاهده في غزة اليوم هو نفس ما شاهدناه سابقاً على هذه الأرض ومع هذا الشعب حيث اتفقت دول العالم عليهم وكل ما يحدث من حرب وإبادة جماعية وتطهير عرقي لهذا الشعب هو متفق عليه ومخطط له منذ زمن ..من هي الجهة التي تنفذ لهم هذا المخطط هل لديكم جواب على هذا السؤال؟
ألخوف كل الخوف من طوفان قادم يأخذ الأمة عن بكرة أبيها فيقضي على ما تبقى من لحم عظمها والخطر سينتشر في البلاد حيث حلم الاسرائيلي بأن يحكم من النيل إلى نهر الفرات وأكبر دليل كان بالاحتلالات التي حصلت وبانهيار دولة العراق وبالتغيير الديمغرافي في المنطقة..
أتمنى إن كان لديك أجوبة أن تترك العاطفة جانباً وتنسى الأركيلة والشاي أو المشروبات الروحية وكل شعار أوصله لك زعيمك حيث تم تخديرك أقله لألف عامٍ قادم..