منوعات

الصيرفة الإسلامية في عالم متغير/بقلم وزير المالية الاردني الأسبق د محمد أبو حمور

الصيرفة الإسلامية في عالم متغير

تشكل مؤسسات التمويل الإسلامية وأدواتها المالية عنصراً هاماً وأساسياً في النظام المالي في معظم الدول العربية والإسلامية كما وجدت مكاناً لها في الدول الغربية، وتشير بعض التقديرات الى أن اجمالي قيمة أصول المصارف الإسلامية حول العالم تبلغ حوالي أربعة تريليونات دولار، أما قاعدة عملاء المصارف الإسلامية فتبلغ أكثر من 100 مليون متعامل وهناك ثمانين دولة لديها خدمات مالية اسلامية، أما عدد المصارف عالمياً فهو يصل الى 600 مصرف.

وتستحوذ الدول العربية على أكثر من نصف أنشطة التمويل الإسلامي في العالم، كما أن موجودات المصارف الإسلامية في الدول العربية أصبحت تتجاوز 18% من اجمالي الأصول المصرفية العربية، وهذا يؤكد قدرة هذه الصناعة على منافسة الصيرفة التقليدية بأشكالها المختلفة خاصة.

وتشير تقديرات وكالة فيتش للتصنيف الائتماني الى أن أكثر من 70 في المئة من أصول المصارف الإسلامية في العالم تتركز في بلدان مجلس التعاون الخليجي وماليزيا وبنغلاديش والأردن وباكستان مع تفاوت حصصها السوقية بين 85 و15 في المئة، وتقدر بأن حجم الأصول الإسلامية العالمية تجاوز 3.3 تريليون دولار في نهاية النصف الأول من 2023، وإذا ما تمت معالجة العوائق في محرّكات الطلب والعرض فسيكون هنالك نمو قوي طويل الأمد في عدد من الأسواق.

ومن الواضح أن السنوات الماضية من هذا القرن شهدت نمواً لافتاً للصيرفة الإسلامية من حيث الحجم والأدوات والمنتجات التي تطورت لتواكب متطلبات السوق وحاجة المستهلكين، كما تم اصدار تشريعات ناظمة لعمل المصارف الإسلامية تراعي خصوصيتها وتساعد على منحها الفرصة لتوسيع أعمالها في مختلف القطاعات وتقديم حلول مالية تستطيع تفادي كثير من المخاطر التي تتصف بها أعمال المصارف التقليدية.

ولا تزال الاحداث والاخفاقات التي شهدتها المؤسسات المصرفية التقليدية في خضم الازمة المالية العالمية عام 2008 ماثلة في الاذهان، وفي حينه استطاعت صناعة الصيرفة الإسلامية أن تثبت قدرتها على الثبات وعدم التأثر بتداعيات تلك الازمة وذلك نظراً لارتباط أعمالها ومنتجاتها بشكل وثيق مع الاقتصاد الحقيقي مما يبعدها عن أثر الفقاعات التي قد تنجم عن طبيعة بعض الأنشطة المصرفية الأخرى، ومرة أخرى أثبتت المصارف الإسلامية متانتها عندما انزلقت بعض المصارف للإفلاس خلال هذا العام نتيجة لبعض السياسات النقدية والمالية في الولايات المتحدة الامريكية، ولكن ذلك لا ينفي أن البنوك الإسلامية استطاعت عملياً الاستفادة من تحرير الأسواق المالية وتوسع العولمة على مختلف الصعد.

ومحلياً تعد الأردن من أوائل الدول التي استوعبت الصيرفة الإسلامية ورسخت قواعد العمل المصرفي الإسلامي واستطاعت أن توفر البيئة التنظيمية والتشريعية التي تمنحها القدرة على التطور والعمل جنباً الى جنب مع باقي مكونات الجهاز المالي والمصرفي بما في ذلك اصدار تشريع خاص لإصدار الصكوك مما يمكن المصارف الإسلامية من المشاركة بفاعلية في تمويل الأنشطة والمشاريع الاقتصادية التي تساهم في نمو الاقتصاد وتوفير فرص العمل.

هذا بالإضافة الى توفير التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة وفق المعايير الشرعية ذات العلاقة، كما ساهمت المصارف الإسلامية في الأردن بتعزيز الشمول المالي وجذب فئات واسعة من المجتمع للانضواء ضمن الاطار الرسمي، خاصة وأن المصارف الإسلامية عملت على تطوير منتجاتها وخدماتها بما يتواكب مع التحول الرقمي والثورة التكنولوجية التي فتحت الافاق أمام تعزيز التنافسية ورفع الكفاءة وتحسين بيئة الاعمال والأداء الاقتصادي بشكل عام.

من المفهوم أن الصيرفة الإسلامية تواجه العديد من التحديات والمصاعب، الا أنه ومع ضرورة العمل لتذليل هذه المصاعب والتحديات بما في ذلك الاطار التشريعي والتنظيمي الملائم وتطوير البنية التحتية للتكنولوجيا الرقمية، لا بد أن نعمل على الاستفادة من الإمكانيات والفرص التي توفرها أدوات ومنتجات المصارف الإسلامية في تحفيز ودعم النمو الاقتصادي وتوسيع المجالات التي يمكن أن تشكل فرقاً واضافة نوعية تساهم في تحسين حياة المواطنين وإتاحة المجال لهم للمشاركة الفاعلة في الأنشطة الاقتصادية بما يتناسب مع مؤهلاتهم وقناعاتهم وتطلعاتهم وحشد المدخرات التي توفر التمويل المناسب للأنشطة الاستثمارية وذلك للاستفادة من الإمكانات الواعدة لأدوات ومؤسسات التمويل الإسلامية.