تكنولوجيا واقتصادمنوعات

طاولة حوار مستديرة في الجامعة الأميركية في بيروت حول مؤتمر الأطراف في اتفاقيّة الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ الثامن والعشرين (COP 28) وما بعده: التأثير على الشركات في لبنان وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

طاولة حوار مستديرة في الجامعة الأميركية في بيروت حول مؤتمر الأطراف في اتفاقيّة الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ الثامن والعشرين (COP 28) وما بعده: التأثير على الشركات في لبنان وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 

عقدت مبادرة رامي مخزومي لحوكمة الشركات التابعة لكلية سليمان العليان لإدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت بالتعاون مع شركة عالِم وشركاه (Alem & Associates) طاولة حوار مستديرة حول المؤتمر الثامن والعشرين(COP 28)  للأطراف التي وقّعت اتفاقية المناخ الأصلية في العام 1992. وقد عقد المؤتمر الثامن والعشرين (COP 28) في كانون الأوّل عام الماضي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتناولت الطاولة المستديرة تأثيره على شركات قطاع الخاص في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

 

وشكّلت طاولة الحوار المستديرة انطلاقة لسلسلة من المناقشات المتوافقة مع الموضوع الأوسع وهو: “تقاطع حوكمة الشركات مع الحوكمة البيئية والاجتماعية والحوكمة: إرساء المرونة على المدى الطويل.” ويذكر أن العديد من الشركات طوّرت واعتمدت سياسات حوكماتية تتمحور حول مبادئ البيئة والاستدامة والمسؤولية الاجتماعية للشركات.

 

بدأت الطاولة المستديرة بفيديو مدته ثلاث دقائق من مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، وتلته رسالة ترحيب من الدكتور يوسف صيداني، عميد كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال. وقد أكّد صيداني في رسالته على مهمة الكلية في تحويل تعليم إدارة الأعمال وتعزيز تبدّل ثقافي بين الطلاب وأعضاء هيئة التعليم. وأوضح، “تقليدياً، ركّز تعليم إدارة الأعمال بشكل كبيرعلى الربحية والكفاءة الاقتصادية. وعلى الرغم من أن هذه الأمور لا تزال مهمّة، إلا أننا نعتقد أنه من الحيوي بالنسبة ذاتها غرس قناعة لدى طلابنا بأن الشركات الناجحة يمكن أن تزدهر فيما هي تمارس المسؤولية الاجتماعية والبيئية”.

 

ولقد عرض قادة أعمال يمثّلون مختلف الصناعات مقارباتهم لدمج ممارسات الاستدامة ومعالجة القضايا البيئية والاجتماعية والحوكمة ضمن استراتيجيات الشركة. ومتٌل هؤلاء القادة شركات آي بي تي (IPT) وبي سي آي (BCI) ، وهولدال (Holdal) ، وبيزلاين(Beesline) ، وجبيلي أخوان(Jubaili Bros.) ، وساكوتيل (Sacotel) ، ومجموعة كوينتا (The Quinta Group) ، وكلوس سانت توماس(Clos St. Thomas) . وقد أبرزت تجاربهم وأفكارهم التحديات الهيكلية التي واجهوها والحلول المبتكرة التي اجترحوها في هذه المسيرة، حيث تكلموا عن مبادرات إزالة الكربون التي ينفذوها. وأنشأت الشركات التي حضر ممثلوها وحدات أو لجان استدامة مكونة من أفراد من مختلف الإدارات لتنسيق وتكامل جهود الاستدامة عبر مؤسساتهم. وتقدم هذه الوحدات أو اللجان تقاريرها مباشرة إلى مجلس الإدارة، مما يضمن التوافق مع عملية صنع القرار الاستراتيجي. كذلك، قام العديد من الشركات بتطوير وتبني سياسات حوكماتية تتمحور حول مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية والحوكمة أو المسؤولية الاجتماعية.

 

 وتكلمت مديرة مبادرة رامي مخزومي لحوكمة الشركات ندى نوفل عن سياق هذه المبادرة فقالت، “لكل بلد مسيرته الخاصة، وأولوياته الخاصة، وواقعه الخاص. وعندما نفهم الطبيعة الجيوسياسية لبلدنا، نصبح في وضع أفضل للتركيز على النمو المستقبلي لأعمالنا واقتصادنا. وهكذا، فإن مواءمة أنفسنا مع التنظيمات البيئية والاجتماعية والحوكماتية، والتي يطلق الاتحاد الأوروبي العديد منها ويقودها، أمر بالغ الأهمية. إن الالتزام بهذه التنظيمات لن يؤدّي إلى تسهيل النمو فحسب، بل سيعزّز أيضًا الوصول إلى التمويل ويضمن استمرارية الشركات اللبنانية العاملة داخل لبنان وفي منطقة مينا (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا) على المدى الطويل.”

 

بعد ذلك، خاطب المؤسّس والشريك الرئيسي في شركة عالِم وشركاه (Alem & Associates) المحامي محمد عالِم مشرّعين السياسات الدكتورة نجاة صليبا والدكتور ناصر ياسين، المشاركين في الندوة. وهو أقرّ بالنهج الثنائي للحوار والذي يتناول الأطر التنفيذية والتشريعية لمعالجة هذه المسألة ومن خلال دفع هذه القضية أمام الدولة وأمام أصحاب الاهتمام. وقال، “لتحقيق ذلك، نحتاج إلى التأكد من أن استراتيجياتنا تتوافق مع توجيهات سياسة السلطة التنفيذية ومع القدرات التنظيمية للسلطة التشريعية. ومن شأن هذا التوافق أن يساعدنا على وضع استراتيجية وسياسة شاملة وفعالة لمواجهة مشرعّين التحديات المطروحة.” 

وناقش عالِم أيضاً التحديّات المقبلة التي ستواجها الشركات اللبنانية، مشيرًا إلى أنه بحلول العام 2028 ستوسّع أوروبا متطلبات الإبلاغ لتشمل الشركات الصغيرة والمتوسّطة. وأكد، “سواء كنا لبنانييّن أو سعودييّن أو إماراتييّن، فنحن جميعاً مترابطون بشكل مباشر أو غير مباشر، ضمن سلاسل التوريد. وسوف تؤثر هذه التنظيمات بشكل كبير على الشركات. يجب علينا أن نفكر في الحلول التي تركّز على المقاييس والبيانات والمعلومات التي يمكننا استعمالها، والسؤال عما إذا كان لدينا الحافز لمواجهة هذه التحديات بشكل استباقي.”

 

الدكتورة نجاة صليبا، النّائبة في البرلمان اللبناني ومديرة الأكادميّة البيئيّة، قالت أن الطريق إلى الأمام يتطلب تضافر جهود جميع أصحاب الاهتمام، مشددة على أنه يجب على المشرّعين والحكومة أن يأخذوا زمام المبادرة في إنفاذ القوانين وتعزيز الوعي. وأضافت أنه في الوقت عينه، يجب تشجيع القطاع الخاص أن لا يكتفي بالامتثال للتنطيمات وأن يساهم بنشاط في الاستراتيجيات البيئية المحلية. وأردفت، “ليس سرّاً أننا نواجه تدهوراً بيئياً خطيراً للغاية وصادماً. ومن أجل حماية مياهنا وهوائنا وإدارة النفايات الصلبة، لدينا القانون الشامل رقم 444 للعام 2002 والذي يوفر استراتيجية بيئية متينة. وفي حين أن بعض القوانين تحتاج إلى تحديث، فإن قوانيننا الحالية قوية وفعالة في تعزيز الممارسات البيئية الجيدة. ويمثّل تغيّر المناخ فرصة مهمّ لتغيير السلوكيات وتعزيز الاستدامة، فيما الجامعات والشركات والمشرعون ورجال الأعمال يلعبون دوراَ حاسماً”.

 

وشدّد الدكتور ناصر ياسين، وزيرالبيئة اللبناني، على أنه بالرغم من زيادة الوعي بشأن تغيّر المناخ، إلا أن القطاع الخاص لم يدمج بعد القضايا البيئية في ممارساته الأساسية. وكرّر وجهة نظرعالِم بأن الالتزام بالتنظيمات يفيد الشركات على المدى الطويل كما شدّد على الحاجة إلى التكامل الحقيقي للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، وليس فقط مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات، لتجنب التبييض البيئي (أي الإيهام الخادع بأن ممارسات الشركة هي ممارسات صديقة للبيئة). وقال ياسين، “علينا أن نفكّر كيف ندمج الامتثال البيئي في أنماط أعمالنا، وفي التكلفة، وفي كل جزء من ما نقوم به. ومن الأهمية بمكان أن نضع هذه الضوابط الواقعية قيد الاعتبار.” وأقرّ ياسين بأن التمويل هو مفتاح نمو لبنان، وشدّد على أهمية التمويل البديل مثل الصناديق الخضراء والمتعلقة بالمناخ بما في ذلك اموال المستثمرين من القطاع الخاص، ودعا إلى إصلاحات مؤسسية لتجنب الركود وتحقيق إمكانات لبنان الكاملة. وختم كلامه قائلاً، “بينما تدعم الشركات التي تديرها عائلات الاقتصاد اللبناني، فإنه من دون تمويل كافي، لا يمكن أن يكون هناك نمو”.

 

وشدّدت الدكتورة ميساء يوسف، قائدة مجموعة خطة عام 2030 في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، على الدور الحاسم للحوكمة والمساءلة ضمن إطار صنع السياسات. وبالنظر إلى السياق الجامعي لهذه الندوة، دعت الجامعات إلى تخصيص موارد أكبر للعلوم الإنسانية والاجتماعية، مؤكّدة على الحاجة إلى برامج تعليمية قادرة على رصد الأثر البيئي وربطه بالصحة والفقر والأضرار الأخرى الناتجة عن عدم كفاية الإدارة والسياسات وإجراءات المساءلة.

 

المؤسسات المالية الدولية، مثل مجموعة البنك الدولي(World Bank Group)  والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية(EBRD) ، المشارِكة في المناقشة، سلّطت الضوء على التأثير الكبير لسياسات الحوكمة، سواء تعلقت بالبيئة أو المجتمع، على الشركات في لبنان، لا سيما فيما يتعلق بسلاسل التوريد والوصول إلى الأسواق والتمويل. وقال سليم روحانا من مجموعة البنك الدولي، “بمجرد عودة تيسّر التمويل إلى هذا البلد، سيكون الأمر مختلفاً تماماً؛ سيكون المشهد التمويلي مختلفاً تماماً عما عهدناه في الماضي،” وقال أيضاً أنه مع تغير المشهد التمويلي خلال هذه المرحلة الانتقالية، ستحتاج الشركات إلى التكيّف مع وقائع جديدة. وقال أنه بالإضافة إلى ذلك، ستواجه الشركات العاملة في مناطق مختلفة من دبي والسعودية إلى العراق تحديات فريدة في التحرّك عبر ساحات سياسات متنوعة وفي تشكيل شخصيتها التجارية، وبالتالي، فإنها ستحتاج إلى استراتيجيات مصمّمة خصيصاً لكل سياق، وسيرغب أصحاب الأعمال اللبنانيون في البحث عن رؤى حول كيفية التحرّك بشكل فعال عبر ساحات متنوعة.

 

وقد شهدت الطاولة المستديرة مشاركة قطاع الأعمال في موضوعات مثل العلوم، ودورات الحياة، والحفاظ على الطاقة، وانبعاثات غازات الدفيئة. وكان من المشجع رؤية قادة الأعمال ينشرون هذا النقاش بنشاط، مع التركيز على الاستفادة من هذه المعرفة لمواصلة التنفيذ وللتعامل مع التحديات والفرص التي ساقها كل مشارك.

 

واختتمت مديرة مبادرة رامي مخزومي لحوكمة الشركات ندى نوفل النقاش قائلة، “أمامنا رحلة ولكن الحوكمة الجيدة والممارسات الأخلاقية ستكون سبيلاً أساسياً للشركات لتحقيق الاستدامة في المجالات الاجتماعية والبيئية والمالية مما سيضمن ألا تركز الشركات على المكاسب قصيرة المدى فحسب، بل تلتزم أيضاً بالقدرة على الاستمرار على المدى البعيد. وقالت أن فهم الأسباب الكامنة وراء استراتيجياتهم أمرٌ بالغ الأهمية أثناء استكشافهم لطرق ادارة تحولّهم. وقالت أن المبادرة هي في وضع فريد يمكنها من تعزيز ومساعدة تشكيل جيل من القادة الماهرين في معالجة هذه القضايا الرئيسية بطريقة متكاملة.”

 

في سطور: مبادرة رامي مخزومي لحوكمة الشركات في كلية سليمان العليان في الجامعة الأميركية في بيروت

تأسّست مبادرة رامي مخزومي لحوكمة الشركات في كلية سليمان العليان في الجامعة الأميركية في بيروت في العام 2011. وتتمثل رؤية المبادرة ومهمتها في تعزيز القيادة المسؤولة عبر أرجاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (منطقة مينا) في سبيل الحوكمة المتميّزة والاستدامة الشركاتية من خلال التعليم والدعم والمشاركة مع المهنيين وأفراد المجتمع الأوسع. ومع تزايد الوعي حول التنوّع العالمي والمسؤولية البيئية والاجتماعية، طورت المبادرة إطارعملها وهدفها ليشمل مبادئ الاستدامة، بما في ذلك المبادئ البيئية والاجتماعية والحوكماتية بطريقة متكاملة.