أخبار لبنان

اللواء عثمان في حديث لمجلّة الأمن: "الأمن الذاتي ممنوع… ولن أسمح بالفوضى"

أكد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان أنَّ الأمن الذاتي ممنوع ولن نسمح بالفوضى في لبنان، لافتًا إلى أنَّ مؤسسة قوى الأمن تتعرض للتجنّي، والمعيب هو سكوت الناس عن هذا الأمر، وهناك من يتساءل كيف أن مؤسستنا بقيت صامدة رغم كل الصعوبات وكأنهم يسعون للحلول محلها، فيبدون على هيئة «كاد المريب أن يقول خذوني».

وأوضح اللواء عثمان في حوار شامل مع «الأمن» «أنني لا أتدخل في شؤون القضاء، وأن المذكرة التي أصدرتها موجهة للضباط والرتباء والعناصر ليعرفوا المهام التي عليهم القيام بها، ولا شك في أن من انتقدوها لم يقرؤوها»، مؤكدًا «أن تسيير أعمال المرفق العام ضرورة، وأن اعتكاف القضاء لا يعني أن نتوقف نحن عن واجبنا في ملاحقة المجرمين وتوقيفهم».

وأكد اللواء المدير العام أنَّ حقوق الإنسان في السجون خط أحمر بالنسبة إليه، والعنصر المخطئ بحق موقوف أو سجين يوقف عدليًا ويعاقب مسلكيًّا، موضحًا أنَّ إرشاد السجناء ليس من مهام المؤسسة، ولافتًا إلى أن عديد قوى الأمن غير كاف لتنفيذ كل المهام على مساحة الأرض اللبنانية.

 

فيما يلي نص الحوار:

سعادة اللواء، نزورك اليوم في هذه الظروف الصعبة الحالكة التي يمرُّ بها البلد، وأنت على رأس مؤسسة مؤتمنة على أمن اللبنانيين والمقيمين، نجحَت رغم كل التحديات والصعوبات التي نواجهها، في أن تبقى العين الساهرة والملاذ الآمن. نزورك اليوم، لنأخذ من سعادتك أجوبة عن أسئلة تهمُّ المواطنين والعناصر على حدّ سواء.

 

پ سؤالنا الأول: كيف نجحتم في درء الأخطار عن اللبنانيين والمقيمين رغم الصعوبات الكبيرة التي يُعاني منها ضباط ورتباء وعناصر قوى الأمن الداخلي؟

– بدايةً، أتمنى لكم ولكلِّ اللبنانيين سنة جديدة ملؤها الخير والسلام والصحة، وأنا مستعدٌّ للإجابة عن كل أسئلتكم من دون إحراج لأن الصراحة وقول الحقائق كما هي، من مبادئي منذ أن دخلت السلك.

في ردي المباشر على سؤالكم الأول أقول، نحن قوى أمن داخلي، أي أن الأمن الداخلي في الوطن مسؤوليتنا. همُّنا الانتقال من قوى شُرَطية إلى خدمة شُرَطية. نحن نقوم بخدمة المواطن لنحافظ على حياته وممتلكاته، كما يقول لنا قانون المؤسسة. هناك فرق بين الضابطة الإدارية والضابطة العدلية. الضابطة الإدارية بأمر الرؤساء، في حين أن الضابطة العدلية هي بإشراف القضاء. حفظُ النظام يعني ويخصُّ المواطن من خلال حماية الأشخاص والممتلكات والحريّات، وهذه كلّها من ضمن عملنا الأساسي، طبعًا في إطار القانون.

وكيف استطعنا القيام بكلّ المهام الموكلة إلينا في هذه الظروف الصعبة والمؤلمة؟ أقول إنَّ نجاحَنا في ذلك كان نتيجةً لمساهمة المواطن معنا، وكان ذلك ضمن شعار عملنا بوَحْيِه هو: «معًا من أجل مجتمع أكثر أمانًا”. وأنا على يقين من أنّه لا يمكن للـ “آدمي أن يصبح أزعر» حتى ولو جاع. هناك من يجوع وينام من دون أن يأكل ولا يرتكب خطأ. نحن نطبّق الأمن مع الناس. الناس شركاء لنا في حفظ الأمن ونحن نحاول أن نشرح لهم ما هي أهميَّة الأمن، وهم يساعدوننا في ذلك. الأمن، كما هو معلوم، يعني العائلة، يعني الأب والأم والابن والابنة. هو حاجة للجميع. و«الآدمي» ظلّ «آدميًا» في هذه المرحلة الصعبة، أما الشخص السيئ فقد زاد نشاطه خلال هذه المرحلة. ونحن كقوى أمن نجاهد لنبقى مستمرين، ونحاول بكل الوسائل تغذية روح المواطنية عند الناس، ورغم كل الصعاب، نحن على يقين من أن هذه المرحلة الصعبة ستمرّ بإذن الله.

 

كاد المريب أن يقول خذوني!

قناعتي أن لبنان وطنٌ لا يموت وباستطاعته النهوض والخروج من أزماته. نحن نقوم بواجبنا الوطني ولا أريد الدخول بتفاصيل المساعدات العينية التي نؤمنها لأبناء المؤسسة من خلال الهبات المادية بالإضافة إلى نجاحنا في تأمين الطبابة والاستشفاء. هناك مَن يتفاجأ بما نقوم به رغم كلّ الصعاب، وكيف ما زلنا مستمرّين في عملنا وخدمتنا وسهرنا. وهم يسألون لماذا ما زالت المؤسسة صامدةً وكأنّ هدفَهم أن يحلّوا مكانها. هناك من يريد أن تفشل مؤسَّستنا الأمنية وباعتقاده أنَّ باستطاعته القيام بدورها، وكأنه يقول: «كاد المُريب أن يقول خذوني».

 

پ قلتم سيادة اللواء إنَّ الناس شركاؤكم في حفظ الأمن، لو أوضحت لنا ذلك؟

– عندما أقول إن الناس يساعدوننا بالأمن، فهذا لا يعني من منظار الأمن الذاتي. اللبناني بطبيعته لا يحبّ الجريمة. والإرهاب لم ينجحْ في لبنان لأنّ طبيعةَ اللبنانيين ليست إرهابية، ولبنان ليس بيئة حاضنة للإرهاب. مَن هم رجال إنفاذ القانون؟ القوى الأمنية والقضاء والبلديات والمحافظون والمواطنون والوزير بوزارته. في زمن «كورونا» نبّهنا المواطنين ليلتزموا بالإقفال العام والتام تفاديًا لتفشّي الوباء. قمنا بتسطير محاضر ضبط، ولكن تصوّروا أن أربعة ملايين مواطن لم يلتزموا بالقرار ماذا كان بإمكاننا القيام به؟ لهذا أقول إن المواطن هو أساس في تنفيذ القوانين. وعندما يتقيّد بالقانون يكون أكبر مساعد لنا. وقَوْلي هذا لا يعني دعوة للأمن الذاتي. فالأمن «شغلتنا» و «مش شغلة غيرنا». دورُنا هو توقيف المجرمين والمرتكبين والمخلّين بالأمن.

پ ما ردّك على ما تقوم به بعض البلدات من أمن ذاتي أو أمن اجتماعي ومن دون سلاح كما يقول المشرفون على «هذا الأمن»؟

– هناك مبدأ يقول إنَّ كلَّ مواطن خفير.. لكن هذا لا يعني أن يحمل سلاحًا ويمشي. في لبنان كلمةُ مخبر بشعة، لا أعلم لماذا. ربما لأنّنا استعملنا كلمة مخبر بطريقة خاطئة. بالنسبة إليّ، المخبر هو المواطن الصالح، ولنقل الأكثر مواطنة. في أوروبا أو في أميركا سائق التاكسي يعطي معلومات للقوى الأمنية عن مخالفة ما، خصوصًا مخالفة السرعة. هذا هو المواطن الصالح الذي تعنيه سلامة الناس. نحن في لبنان بحاجة إلى أشخاص يعلموننا عن مخالفات وارتكابات… هذا طبعًا، مسموح. أمّا الأمن الذاتيّ فغير مسموح به.  وهنا أسأل: ما هو دور الشرطي البلدي وناطور الأحراج؟  دورهما مساعدتنا. لأن عمل المؤسسات يتكامل. من مهام شرطي البلدية التعاطي معنا، ونحن نقوم بتدريب عناصرها، والشرطي البلدي إذا أخطأ يتمّ توقيفه. وغير مسموح لأي حزب القيام بأمن ذاتي.

 

مبدأ الثواب والعقاب

پ هل تلبّي القوى الأمنية فورًا طلب النجدة من أي متصل؟

– كلّ الاتصالات على رقم 112 تُسجّل، ونحن طوّرنا هذا العمل، ونحاسب المتلكئ أو المخطئ. ما من أحد معصوم عن الخطأ. في المؤسسة ثوابٌ وعقاب. كان يُطلب منّي التحدّث عن الإجراءات التي اتخذتها لمعاقبة العنصر الذي ارتكب خطأ ما خلال التظاهرات، فكنت أرفض. أنا أعاقب مَن يستحقّ العقاب ولكن لا أعلن عن ذلك. إنها إجراءات مسلكيَّة داخليّة. أنا أوقّع أكثر من ستين عقوبة في اليوم ولكن لا أعلن عن ذلك في الإعلام لأنّ ذلك يمسّ بالمعنويات. لكن إذا وقعت جريمةٌ ما وقام بها عنصر من قوى الأمن لا أتردّد في إعلان ذلك.

 

پ استطرادًا، صدر عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بيان دحض فيه ما قالته النائبة بولا يعقوبيان، عن قضية حصلت في الأشرفية، فما هو ردّك على ذلك؟

– لقد اصدرنا بيانًا بهذا الخصوص وهذا الموضوع متابع وملاحق من قبلنا، لأنني لن أسمحَ لأحد بالقيام بأمن ذاتي. وكما سبق وقلت، هناك من يريد أن تفشل القوى الأمنية في مهامها ليقوم بدورها. وكأنّ المطلوب ألّا يكون أمن داخلي في البلد، وأنا لن أسمح للفوضى بأن تسيطر على الأرض وسأعمل المستحيل لمواجهتها. ولست وحدي الذي يريد ذلك. هناك فقط واحد بالمئة من الناس يريد الفوضى أن تعمّ. المواطنون معنا، وهم يريدون الأمن والأمان. كلّنا ومن هم من جيلنا يتذكّرون الحرب الأهلية، ومَن نسي الذي حصل علينا أن نذكّره، بأنّ الأخ قتلَ أخاه، وهذا يعني أن الحرب لم تكنْ حربًا طائفية، وأعني ما أقول. الناس يريدوننا ولا يريدون الحرب والإخلال بالأمن. يريدون السلطة والدولة، ولا شيء سوى قيام الدولة ونجاح أجهزتها. نحن نريد أن يعود المواطنون إلى وطنيتهم وانتمائهم إلى لبنان. هذا ما نعمل عليه ونقوم به من أجل سلامة الجميع وأمنهم.

فيما يتعلَّق بالسلاح الفردي فهو موجود بين أيدي الناس وليس في لبنان فقط. ومن لا يملك سلاحًا حربيًا يملك سلاح صيد وهذا السلاح يقتل أيضًا. والمؤسف أن انتشار السلاح يجعل أي خلاف في الشارع ينتهي بإطلاق النار وذلك بسبب الأوضاع الاجتماعية الصعبة. ويحصل ذلك أيضًا لأنّ السلاح منتشرٌ بأيدي أشخاص غير مؤهّلين نفسيًّا بسبب تعاطيهم المخدرات، وهنا تكمن الخطورة. ونحن في مواجهة ذلك نقوم بالكثير من عمليات التوقيف. مثال على ذلك، أننا في هذه المرحلة، ننفّذ خطّةً أمنية في طرابلس، ونوقف العديد من المخلّين بالأمن. ولهذا أرى خطورة في إعطاء تراخيص حمل السلاح، وأنا لست في معرض انتقاد الآخرين، لكنني ضدّ إعطاء تراخيص حمل السلاح بالمطلق لأي إنسان كان. فطبيعة الإنسان عندما يتعرّض لإشكال يستعمل أية وسيلة للدفاع عن نفسه، ويمكن أن تكون الوسيلة عصا أو سكينًا أو سلاحًا، حتّى لو كان المهاجم أو المعتدي غير مسلّح، فإذا كنت تحمل سلاحًا ستستعمله لتكسب السيطرة على المعتدي. هذه هي طبيعة الإنسان للدفاع عن نفسه. وبالتالي نحن بحاجة إلى وعي شامل في البلد بخصوص حمل السلاح لتفادي الكثير من الأخطار. إنها ثقافة يجب أن نتقنها. وفي الإطار عينه، لا أتفهم ثقافة إطلاق النار ابتهاجًا أو حزنًا في الهواء. إنها ثقافة بشعة. وهل يعلم من يطلق النار أن ذلك يُعتبر «قصدًا احتماليًّا للقتل» أي جناية؟ وهذا ما يحصل في تحقيق انفجار المرفأ. لماذا استسهال هذا الموضوع واعتباره شيئًا صحيحًا. مشكلة بعض اللبنانيين أنهم لا يفقهون القانون. والمبدأ الأساسي في فهم القانون، هو عدم التذرّع بجهل القوانين. ولو كانت هناك أحكام مشدّدة، لما حصل إطلاق النار كما يحصل في العديد من المناسبات.

 

پ في ظلّ وقف التوظيف في القطاع العام والأسلاك الأمنيّة والعسكريّة، هل ترون أنّ عديدَ قوى الأمن الداخلي ما زال كافيًا لتغطية كلِّ المهام المطلوبة على مساحة الأرض اللبنانية؟

– في ظلّ الوضع الحالي بإمكاني القول: كلّا. مع مرور الزمن، هيبة العنصر الأمني تخفّ نسبيًّا. وهيبته من هيبة المواطن. وهيبة الوطن تكمن في هيبة عناصره الأمنيّين. لذا فإنَّ احترام العنصر الأمنيّ واجب على المواطن. وهذا ليس شيئًا معيبًا، بل هو احترام للقانون وإنفاذه. البلد لا يمكن أن يقوم من دون قانون. المشكلة اليوم أنّ هيبةَ قوى الأمن “خفّت” خصوصًا بعد عام 2019 وخلال ما أعقب “17 تشرين” الذي تحمّلناه بصدورنا. المشكلة التي حصلت في البلد هي مشكلة سياسية ونحن كنّا في الواجهة، مع العلم أنّ عناصر القوى الأمنية لم ينتخبوا السياسيين، ولكنّ القوى ألأمنية تحمّلت ما تحمّلته في هذه الأحداث لأنّ دورَنا هو حماية الأشخاص والممتلكات وحماية الحريّات العامة ضمن إطار القانون، ولأنّ حفظَ النظام وتوطيد الأمن مسؤوليتنا. ومَن كان يقول لنا ألّا نحمي الناس في هذه الفترة، كمن يقول لنا ألا نطبّق القانون. تحمّلنا هذا الموضوع بصدورنا لأنّنا كنّا مصمّمين على أن نحمي البلد بأجسادنا كي لا ينهار. وتحمّلنا ما تحمّلناه وسقط لنا شهيد.

نحن قوى، أي نحن يدٌ واحدة. لماذا يخشى الناس القوى الأمنية؟ لأن هذه القوى ولنقلها بصراحة، ليست ديمقراطية. هناك قانون عسكري يُلزم العناصر تطبيق القانون. والعنصر أقسم اليمين على إطاعة الرؤساء. قسمنا هو: “أقسم بربّي ووطني وشرفي أنّني أطيع رؤسائي في كلّ ما يتعلّق بالخدمة التي أُدعى إليها ولا أنتهك حرمة الشرف، ولا أستعمل السلطة التي أعطيتها إلاَّ في سبيل توطيد النظام وتنفيذ القانون”. نحن لسنا ضعفاء، نحن أقوياء وباستطاعتنا السيطرة على الأرض، واعتمدنا الطريقة المناسبة لكلّ حدث يقع أمامنا. لم نكن نريد استعمال قوّتنا في مواجهة الناس في التظاهرات، استعمال قوّتنا يكون أمام المجرمين.

 

پ ما هو عديد قوى الأمن الداخلي حاليًا؟

– هو بحدود 25 ألفًا، ونحن بحاجة إلى زيادة العدد، ولن أدخل في موضوع التطوّع ولكني أفكّر في أمر يمكن أن يُترجم قريبًا.

 

العدالة لا تُعطَّل

پ برزت في الآونة الأخيرة أزمة ولّدها اعتكاف القضاة، وقد أصدرتم مذكَّرة إلى الضباط العدليين وتنفيذًا للقوانين ذات الشأن بمنع إفلات المجرمين من العقاب وضياع الحقوق. وقد حصل لغطٌ وتأويلات حول هذا الموضوع، هل لنا من توضيح للرأي العام؟

– أولًا ليس لدي مشكلة مع القضاء. هذا شأنهم ولا أريد التدخل بشؤونهم، مع يقيني أنَّ العدالة لا تعطّل. لكنْ ما فاجأني كثيرًا، أنّ أحدًا لم يقرأ المذكّرة. هناك هواة الانتقاد ووهم المعرفة. المذكرة التي أصدرتها لم يقرأها الذين انتقدوها. وضعت في المذكرة مواد قانونية وتوجَّهت بمذكرتي إلى العناصر وليس للقضاء. هل يُعقل أن أعلّم القضاة القانون؟ أنا أردت من خلال المذكّرة تذكير العناصر بالمواد القانونية التي تقتضي القيام بعملهم التلقائي. القضاء لا يرضى أن نقول، لمن ارتكب جريمة، لا نستطيع توقيفك لأنّ القضاء معتكف. حتى القضاة المضربون لا يريدون ذلك. هل يرضى القضاة ألا نكون حاضرين في موقع الجريمة؟ انا تكلمت مع النيابة العامة التمييزية قبل شهر من صدور المذكرة. واتفقنا على أن تتم مراجعتهم في حال تمنع النيابات العامة عن إعطاء إشارة. موضوع المذكرة يتحدّث عن إجراءات ضبط الأدلة والإفادات في الجريمة المشهودة ولا يتعلق الأمر بالجريمة غير المشهودة، (كخلاف منذ سنتين بين جارين على قطعة أرض).

 

پ هل اتصل بك قضاة وأبدوا تعاطفًا معك في هذا الموضوع؟

– أجل، اتصل بي قضاة وأعطوني حقًا في ذلك.

 

بالمرصاد للجرائم والمجرمين

پ رغم كل الصعوبات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، يتبين لنا أن نسبة الجرائم تدنَّت على المستويات كافة، ما الذي أدَّى إلى ذلك؟

– كما سبق وذكرت، نحن نتابع كل الجرائم، مع العلم أن النسبة في العام 2022 تدنَّت عن العام السابق ونحن نعمل لخفض النسبة رغم كلّ التحديات والصعوبات التي نعاني منها منذ ثلاث سنوات. وما من جريمة تحصل إلا وكنّا بالمرصاد لها. الأمن هو عملية ردع أكثر من عملية ملاحقة. نحن نعمل على عدم ارتكاب المجرمين جرائم مماثلة، وهذا حصل معنا عندما قام البعض للتخطيط على مدى شهرين لسرقة أحد المصارف، فقبضنا عليهم بيومين. بالتالي نحن نتابع الجريمة بشكل مدروس وكبير ونلقي القبض على المجرمين. مع الوقت بدأ الناس يكتشفون أن ما من أحد يفلت من الملاحقة والعقاب. هناك جرائم سرقة حصلت وقمنا باكتشافها وأعدنا ملايين الدولارات إلى أصحابها. لهذا أقول وأشدّد أنّنا بالمرصاد لكلّ الجرائم، ونتابع الجرائم الكبيرة ونتصدَّى لها، وهذه المتابعة تجعل المجرمين يحسبون ألف حساب قبل الإقدام على جريمتهم. ولن نستسلم رغم كلّ الظروف. نحن متأهبون، لتأمين الأمن والسلامة للمواطنين والمقيمين.

 

پ السجون، ماذا عنها وعن معاناة المسجونين وعدم البتّ بملفاتهم؟

– أعرف أنَّ هذا الموضوع غير مقبول. أيعقل أن هناك أكثر من 70 بالمئة من المسجونين غير محكومين؟ المشكلة كبيرة وكبيرة جدًا وهي على تزايد، لأن التوقيفات مستمرّة، مع العلم أنّ قضيةَ حقوق الإنسان ثابتة لدي ولا يمكن لي التراخي بها وتجاوزها، لا في إطار التحقيق ولا في السجن. هناك حوادث حصلت لا أنكرها ولا أخفيها. الحادثة تحصل داخل السجن والعنصر الذي يخطئ نوقفه عدليًا وينال عقابه المسلكي. موضوع حقوق الإنسان خطّ أحمر عندي. وأنا أعتبر السجين فاقد الحرية بتعبير حقوق الإنسان. ولبنان كان الدولة الأولى التي وقّعت على شرعة حقوق الإنسان. الإنسان وُلد حرًّا وعندما نقبض عليه بسبب ارتكابه الجريمة يصبح فاقد الحرية. والفاقد الحرية لا يمكن أن نستقوي عليه، حتى ولو كان مرتكبًا. القانون يحاسب المجرم ونحن ضدّ شريعة الغاب.

 

پ ماذا عن إخضاع السجناء لدورات تدريبيَّة تعليميَّة اجتماعيَّة؟

– هذا الموضوع ليس من مهام القوى الأمنيَّة. السجناء بحاجة إلى مرشدين لتعليمهم كيف عليهم نبذ الجريمة. هم بحاجة إلى إصلاحيات ترشدهم وتعلّمهم. العنصر هو سجّان ودوره يقتصر على ذلك فقط، وهو ليس مرشدًا اجتماعيًّا. كما أنَّ السجن من اختصاص القضاء ووزارة العدل وليس من اختصاص قوى الأمن.  فلا يجوز على مَن يوقف الشخص أن يكون في الوقت نفسه، سجّانه. ولهذا أقول إنّ الحملَ على القوى الأمنية كبيرٌ جدًا.

 

معًا نحو مجتمع أكثر أمانًا

پ هناك دعم وتنسيق وتعاون متواصل بين مؤسسة قوى الأمن الداخلي والعديد من الدول الشقيقة والصديقة والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي، هل لنا أن نعرف بعض التفاصيل عن هذا الموضوع؟

– لدينا خطة استراتيجية، ورؤيتنا هي “معًا نحو مجتمع أكثر أمانًا”. وقد عرضنا هذه الرؤية في روما ووضعنا أهدافًا لها، منها: الخدمة الجيدة، وحفظ الأمن والنظام، واحترام حقوق الإنسان. أريد تقديم الخدمة الجيّدة للمواطن لأكتسب ثقته، وليصبح شريكًا لي. الشراكة تعني أن نكون معًا. ولهذا الشعار نعمل بكلّ جديّة. والمواطنون مقتنعون بنا. حتى الغرب والشرق يعرفان قدراتنا الأمنيّة بحفظ الأمن والنظام في البلد. العالم يريد المحافظة علينا، لأنَّ الحدود سقطت بين الدول. والتكنولوجيا الحديثة ومن دون تعدادها تؤمِّن التواصل بين الناس كلّ ثانية، لذا يقتضي الأمر تضافر كلِّ الجهود العالميَّة من أجل عالمٍ أكثر أمانًا.

في مؤتمر الإنتربول منذ أكثر من أربع سنوات، وضعنا عنوانًا: “لعالم أكثر أمانًا”. ومن هذا المنطلق تساعدنا الدول بالتدريب والمساعدات لتقوية قدراتنا الأمنيَّة. وهم يقدّرون ما نقوم به ويحترموننا كثيرًا ويقولون لنا: أنتم جهاز جيّد يعمل لمصلحة بلده. وللأسف نحن محترمون من الخارج أكثر مما هي الحال في الداخل. نحن نقوم بواجباتنا بكل جدّيّة.

 

پ هل هناك خطة لدعم عناصر قوى الأمن الداخلي ماديًّا؟

– راتب العنصر زاد ثلاث مرات تقريبًا، أي الحدّ الأدنى أقلّه خمسة ملايين ليرة والأقصى 12 مليونًا. كذلك رفعنا بدل النقل ليصبح مليونًا و800 ألف ليرة. قد يكون الراتب لا يكفي، ولكني أتوجّه إلى العناصر لأقول: لو لم تكونوا موجودين، كيف كانت حالة البلد؟ علينا التفكير بهذا المنطق. أنتم تقومون برسالة. في الماضي البعيد كان العسكري يذهب إلى الحرب ولا تعلم عائلته إذا كان سيعود حيًّا. أنتم تؤدّون واجبًا وطنيًا ولولا وجودكم ماذا كان سيحصل لأولادكم؟ هذا على صعيد العائلة. وعلى صعيد أكبر، كيف سيكون وضع الأهل والأصدقاء والجيران والمدينة والوطن؟

 

پ كيف يؤثر فقدان النصاب في مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي في ظلّ عدم توقيع مراسيم تثبيت ضباط كقادة وحدات اصيلين؟ وهل يمكن تجاوز هذه المشكلة؟

– طبعًا، بإمكاننا تجاوز هذه المشكلة، وقد سبق وحصل في الماضي الوضع نفسه. وفي ظلّ غياب مجلس القيادة، لدينا حالة الضرورة التي تقتضي تسيير المرفق العام، وهذا واجبٌ علينا. هل يمكن لنا أن نقول للضابط: أنت تتعب كثيرًا ولكن لا يمكننا ترقيتك. الدولة بحاجة إلى تسيير الأعمال. عندما كان اللواء بصبوص مديرًا عامًّا أخذ حكمًا من مجلس شورى الدولة بقانونيَّة الاجتماع الذي دعا إليه قادة الوحدات الأصيلين وقادة الوحدات بالوكالة، وهذا الحكم هو إثباتّ آخر على أنّ عملَ الدولة يجب أن يستمرّ. ما نقومُ به من إجراءات هو بحسب الأصول المرعية الإجراء. وتسيير عمل المرفق العام ضرورة. ليس باستطاعتنا القول أن عمل الدولة متوقّف.

 

پ حضرة اللواء، يعاني العناصر في الخدمة الفعلية كما المتقاعدون من صعوبات استشفائية، هل من حلول لهذه الأزمة؟

– في موضوع الطبابة أضع كل ما آتاني الله من قوة وعلاقات لهذه المشكلة، وقد تحدثت كثيرًا عن هذا الموضوع في اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع. وقلت للجميع لا يجوز إدخال طبابة العناصر في قضية انهيار العملة الوطنية، وقلت للمجتمعين إذا أردنا المحافظة على وطننا، علينا المحافظة على صحّة العناصر وعلى صحّة عائلاتهم ليتمكَّنوا من القيام بالمهام المطلوبة منهم. هذه المعاناة تؤثر بي جدًّا. البعض يعتبرني قاسيًا في حياتي العسكريَّة ولكني قاسٍ كأب، ولست قاسيًا كظالم. هكذا أعتبر نفسي. الأب يقسو على أولاده ولكنّه يحبهم ويضحّي بنفسه من أجلهم. هذا هو معنى القساوة عندي. لا يمكنني أن أرى مريضًا لا يستطيع الاستشفاء. لذلك أبذل جهودًا كبيرة لتأمين المال من أجل طبابة العناصر الذين لا يعرفون الجهود المبذولة. استخدمت كل علاقاتي ومعارفي لتقديم مساعدات مالية بالدولار لتأمين الطبابة والأدوية للمؤسسة، ولقد استطعت جمع أكثر من ثلاثة ملايين دولار أميركي، وهناك أشخاص ما زالوا يتبرّعون حتّى اليوم. نحن ندفع فرق فاتورة المستشفيات ما بين 20 و60 ألف دولار يوميًا للحالات الطارئة. ولا أحب ذكر أسماء المتبرّعين. أنا أقوم بواجبي ولكن هذا الوضع بحاجة إلى مَن هو أكبر منّا كمؤسسة أمنية. كانت تكلفة الطبابة في المؤسسة مئة مليون دولار في السنة، أي 150 مليار ليرة لبنانية. نحن مسؤولون عن حياة كلّ الناس، ولكن ما من أحد يُفكر بحياة العناصر. والشكر الكبير أتوجه به إلى كلّ من تبرع للمؤسسة، وقد تفاجأت بولائهم ووطنيتهم.

 

پ تكثر حوادث السير التي تقتل يوميًّا عددًا من شاباتنا وشبابنا، وتتعدَّد الأسباب والمسؤوليات في ظلّ غياب الحلول. ما هي الإجراءات التي تقومون بها للحدّ من هذه الحوادث؟

-هذا الموضوع يهمني كثيرًا وهو في صلب اهتماماتي، خصوصًا لأني على يقين أن شابًا في أول طلعته لا يعرف الحياة وأخطارها كما هي… يقود سيارته بسرعة ويُقتل ويقتل آخرين معه بسبب سرعته. هذا الموضوع بحاجة إلى توعية من دون أدنى شك. ولقد اتخذنا إجراءات وقائية بمناسبة عيد رأس السنة، أمام المطاعم والملاهي نالت استحسان الجميع، وتفادينا الكثير من الحوادث التي تسبّبها الكحول. من أجل تفادي حوادث السير نعمل الكثير ولكن من واجب الناس أن تكون لديهم ثقافة حول موضوع السرعة. لا يمكنني أن أضع عنصرًا أمام كلّ مفترق طريق، فهذا بحاجة إلى الكثير من المتطلبات والعناصر. نحن نريد ثقافة تجعل الإنسان يعي خطورة السرعة والتوعية أساسية. لسنا مسؤولين عن حوادث السير، مسؤوليتنا تكمن في تنظيم السير. والمواطن نفسه هو المسؤول عن حادث السير وعن السرعة. مسؤولية حوادث السير تقع على عاتق وزارة الأشغال والبلديات. ورغم كلّ ذلك، تقدّمتُ إلى الدولة بمشروع منذ تسلّمت مهامي على رأس المديرية، ووضعنا دفتر شروط لرادارات تُركّز في كلّ لبنان وكلّ مخالفة يقوم بها المواطن أو المقيم يغرّم ويأخذ الإشعار بذلك بواسطة هاتفه. وشركات أجنبية كثيرة كانت مهتمة بالفوز بالمناقصة ودفتر الشروط على طريقة الـ” بي أو تي” ولا يرتب على الدولة مالًا. الشركات التي تفوز بالمناقصة تدفع الملايين للبنى التحتية وتقتطع نسبة مئوية من الغرامة التي يدفعها المواطن أو المقيم. وصودف أنّ اليوم الذي كانت الشركات ستأخذ دفتر الشروط لتقديم العروض كان في 17 تشرين الأول 2019، ما أدّى إلى تعذّر الاستمرار بالمشروع، الذي لو طبقناه، لكنّا أنقذنا الكثير من الناس من حوادث السير القاتلة. وهذا المشروع مطّبق في الكثير من الدول. ونحن بإمكاننا تطبيقه ولكنّنا بحاجة إلى إرادة.

پ رغم كل المحاولات والجهود والنشاطات بقيت فجوة في العلاقة بين المواطن وعنصر الأمن. ما هي السبل لتحسين هذه العلاقة؟

– كلّ وقت له ظروفه… محبّة الناس لنا تكبر عندما نكتشف جريمة ونقبض على المجرمين. في التظاهرات وأثناء قمع المخالفات تنخفض محبّة الناس لنا. وللبنانيين أقول نحن دائمًا على الوتيرة نفسها وبالطريقة نفسها، همّنا أنتم ونحن لا نتغيّر. مَن يتغيّر؟ الناس وبحسب الظروف. 99 بالمئة من الناس يحبّون المؤسسة الأمنية ولا أريد الدخول بما يكتبه البعض على مواقع التواصل الاجتماعي..  قال أحدهم: قبل الـ” سوشيل ميديا”، الغبي لم يكنْ يعرفه إلا أهله. وفي زمن الـ”سوشيل ميديا” أصبح الجميع يعرف غباءه.

 

پ في ختام اللقاء، بماذا تتوجهون إلى اللبنانيين وكل الضباط والعناصر في مطلع العام الجديد؟

– أتمنّى أيّامًا سعيدة لكلّ المواطنين الشرفاء الذين يريدون وطنًا وانتماءً إليه. وأتمنّى للبنانيين سنة خير وسلام، وأن نكون عند حسن ظنّ الناس بنا. أنا أفتخر بانتمائي إلى مؤسسة قوى الأمن الداخلي، وأفتخر ببزَّتي العسكرية. وكل يوم اقترب من سنّ التقاعد أفكّر كيف سأتخلى عن هذه البزَّة التي لازمتني طوال حياتي.. كم هو صعب التخلّي عن الحياة العسكرية التي طبعت شخصيتي. لم أعملْ في حياتي شيئًا إلا خدمة الناس، ولا نعرف كيف نخدم أنفسنا. ولضبّاط وعناصر قوى الأمن أقول إن البزَّة العسكرية هي شرفكم وانتماؤكم، وهي رمز لحماية أهلكم وأولادكم. كونوا العين الساهرة على أمن البلد. ونحن نفتخر بكم جميعًا خصوصًا في هذه الظروف الصعبة التي تعيشونها، وأنا أعيشها معكم بكلّ تفاصيلها. وأتمنّى أن تكون السنة الجديدة في لبنان أفضل على الأصعدة كافة.